قصة من ذاكرة القلب والروح كنكلو 1962

person عبد الرحيم عيسى
Story Image
في أواخر شهر أيلول من عام 1962، إبان ثورة أيلول المباركة بقيادة الجنرال الخالد مصطفى البارزاني ، أقدمت الحكومة السورية آنذاك على مد يد العون للقوات العراقية، فأرسلت وحدات من جيشها برئاسة العميد فهد الشاعر من السويداء لضرب الحركة التحررية الكردية.
كانت قريتنا كنكلو شاهدة على تلك الأيام، إذ كانت سيارات ومدرعات الجيش السوري تمر عبرها متجهة نحو قرية بليسية، ثم إلى معبر سيمالكا لمراقبة الحدود السورية العراقية، قبل دخولها إلى كوردستان العراق للاشتباك مع قوات البيشمركة.
كان مرور الجيش من طرق القرية مصدر قلق لأهلها، فقام بعض الأطفال بعفوية ممزوجة بحس الفطرة الوطنية بسد الطريق المؤدي إلى نهر سفان بالحجارة، ظناً منهم أنهم بذلك يوقفون تلك الآليات الثقيلة.
وحين وصلت السيارات والمدرعات إلى مكان الحاجز الحجري، اضطرت إلى العودة نحو السكنة العسكرية في قرية شرك.
وفي صباح اليوم التالي، حاصر الجيش قرية كنكلو بقوة كبيرة من الجنود والأمن، مدججين بمختلف أنواع الأسلحة.
بدأت حملة تفتيش واسعة، غير أن أهل القرية كانوا قد أخفوا ما لديهم من أسلحة خارج البيوت، فلم يعثر إلا على خنجر المرحوم عبدالله عرب.
واقتاد الجنود عدداً من الرجال والأطفال إلى المقر العسكري للتحقيق معهم، ومن بين الرجال:
محمد علي شوركي، وحاجي شكري،و أوصان سينم، ومحمد علي أبو حاجي رحمهم الله جميعاً.
أما من الأطفال فكانوا: محمد عبدالرحمن أبو زوزان، عبدالرحمن محمد كوري، عبدالكريم أوصان وعبدالرحمن محمدعلي شوركي وغيرهم.
وخلال التحقيق، أصر الجميع على أن من سد الطريق بالحجارة هم الأطفال فقط.
عاد الضابط مع الرجال والأطفال إلى القرية، وطلب من الصغار أن يبعدوا الحجارة ثم يعيدوها عدة مرات، ليتأكد بنفسه من أقوالهم.
وفي ذلك الموقف الصعب، أظهر الطفل عبدالرحمن محمد كوري شجاعة نادرة، فكان أول من تحرك لإبعاد الحجارة من الطريق.
عندها هدأ غضب الضابط، وقال أمام الجميع:
والله، لو لم يتمكن هذا الطفل من إبعاد الحجارة بيده، لكنت أحرقت القرية بمن فيها.
ثم أمر جنوده بالانسحاب، وغادر القرية تاركاً خلفه ذكرى لا تنسى، محفورة في وجدان أهل كنكلو، تروي للأجيال كيف يمكن لشجاعة طفل أن تنقذ قرية بأكملها.