في البداية لابد من التنويه بأنني لا اقصد أن اجرح أي احد بل من باب المقارنة بين الماضي والحاضر فمن ليس له ماض ليس له حاضر ,بعكس ذلك لنا الفخر كل الفخر أن يتقدم أي شخص من مجتمعنا ويخطوا إلى الأمام مهما كان هواياته أو عمله ومهنته بدرجة أكثر تقدما ورقي وان يخدم ليس مصالحه فقط بل مصلحة المجتمع بأكمله.
هذه ليس بمقدمة كمقدمة ابن خلدون ومقدمة الكتب السياسية لغاية تبرر الوسيلة بل لتوضيح معنى العزيمة في نفوسنا جميعا عندما نحاول أن نطور أنفسنا كأفراد ضمن هذا المجتمع وبإرادة نصل إلى هدفنا الذي وضعناه لنا منذ صغرنا وليتحقق ذلك مجرد أول فرصة سمحت لنا.
في شخبرتي الماضية حول الأعراس في منطقة ديريك وعاداتنا وتقاليدنا سوى كانت سلبية أم ايجابية نوهت إلى بعض الفنانين (الجنود المجهولين) في منطقتنا والذين اشتهروا بفنهم في آلة(داهول وزرنه) وفي مقدمتهم أصلان ومتولي,احمد أصلان,مجيد,يوسف علي خرا,زكو واليوم نتذكر الجيل الثاني (الجديد)من فنانينا والذين بداء بالة أخرى وهي(الطمبور و الجمبش) أتذكر في بداية انتقالي إلى مدينة ديريك عام 1977 بغية تكميل دراستي في الصف السابع كانت المدينة بالنسبة لي عالم أخر حركة السيارات والموتورات ,الكهرباء,حنفية مياه, شوارع نظامية مزفته,(وسط ديريك والحارات الغربية والجنوبية منها) كهرباء كانت بواسطة مولدة كبيرة تغذي المدينة وبالتسمية الشعبية لها (موتور) و كان عدم سماعك لصوته المزعج كدليل على عدم وجود الكهرباء بالمدينة والموجود على ضفة النهر الغربي بالقرب من شعبة التجنيد القديمة ويا للعجب كان الضفة الشمالية للنهر ومقابل المولدة لم تكن مغذية بالكهرباء ولا تمديدات مياه الشرب فكان سكان ذلك الحي المسماة شعبيا حارة (قجله) إلى بستان (نجم) يجلبون المياه من نبع (كانيا عسكريه) بمياهها العذبة وصورة المياه المتدفقة منها .وكان بجانب المولدة (طوب) اي مدفع رمضان كانت تطلق بشهر رمضان عند أذان المغرب. كان بوسط المدينة سوق مزدحم مبني من الحجر البازلتي ومسقف بالتنك والتوتياء (مكان الساحة الحالية) مقسم إلى أقسام منها لمتطلبات أهل القرى من أدوات الفلاحة وقسم أخر للخضراوات والفواكه وقسم اللحوم وقسم للخياطة وكان يتوسطها مقهى خاص للشاي والقهوة .ومقابل هذا السوق باتجاه طريق (كاني كركه) كان سوق تصليح البوابير والصوبيات وعند اقترابك منه لم تكن تسمع أي صوت لكثرة أصوات المطارق والسنادين وهم يلفون ألبواري والعكوسة و الصوت الوحيد أتذكره لغاية اليوم لأنني معجب به وما زال يغني ويطرب البدن هو الصوت الجز يري الفنان روني جزراوي بعد أن قاوم وناضل في سبيل هدفه ونال هذا الهدف وهو جالسا أمام دكان على ما أظن (مصطوكا) كان معلم في تبييض الأواني القديمة وتصليح بوابير الكاز وفي الزاوية الأخرى كان دكان( حنا مطلوب )المشهور والمعلم الوحيد على ما أظن في تلبيس أرجل وسائط الطرق الوعرة حينها(الحدوة) أو بالكردي (نال) من الأحصنة والبغال والحمير .وفي الشارع الثاني المؤدي إلى قرية (كره كرا) كان معمل المشبك (طيب او نيب ) لصاحبه أبو سلمو كان من ألذ أنواع المشبك في حينه في اغلب الأحيان وفي الصباح الباكر مع أذان الصباح كنا نخوض حرب ضروس مع الأفران حتى نحصل على رغيفين من الخبز وأحيانا كنا نتلقى بعض (الخرمشات )منهم بالأخص فرن يعقوبي وزكو وعند حصولنا على الخبز كنا نذهب إلى أبو سلمو الواقف أمام بابور الكاز الكبير ويمسك بيده سيخ من الحديد وهو يقلب أقراص الطيب والنيب في المقلاة واغلب الأحيان في فصل الشتاء كنا نقف بجانب ببوره طمعا بحرارتهاوالشارع المؤدي الى البريد كان هناك خانتين (خان محل ربط الدواب) فكل من يزور ديريك بواسطة الدواب ( حصان او حمير ) كان علية دفع اجرة مبيت لهم على ما اتذكر كانت ربع ليرة وثم ارتفعت الى نصف ليرة واحدى هذه الخانات كانت لسيدة مسيحية اسمها صارة وهي كانت ذو قلب صافي وشجاعة وكريمة . وباتجاه الاعلى كان يوجد مركز توزيع الخضروات تسمى ( شحن ) وهو المركز الوحيد الذي يوزع الخضروات والفواكه بديريك وريفه.
.لم أكن اعلم أن الحياة في ديركا حمكو تتشابه حال قريتي من حيث تربية المواشي والأبقار فكل يوم وكعادات أهل القرى المجاورة كان للمدينة أيضا أبقارها وشخص يرعى هذه الأبقار يدعى (كافان) والشئ الذي استيقظي لهذه المسألة كنت في طريقي إلى مدرسة إعدادية يوسف العظمة (المدرسة الموجودة حاليا جانب الجسر على طريق كاني كركه ) وشاهدت إحدى النسوة تنادي لجارتها وتقول بان بقرتها ظلت داخل الكوخ اليوم لان علي كافانا أبكر اليوم ولم نلحق به , ظل الاسم في خاطرتي ليومنا هذا والمرتبط بالفنان علي كافانا والذي ظل فترة من الفترات فنانا متألقا في منطقة المالكية وحسب قناعتي كان صوته نابع من قلبه الذي ظل يغني في براري ديركا حمكو في صغره . بالنسبة لنا نحن كطلبة أهل القرى كنا نعود كل يوم الخميس مساء إلى بيوتنا مشيا على الأقدام نظرا لاشتياقنا إلى أهلنا وألعابنا , كوني من أهل الريف لم أكن بحياتي حضرت عرسا (دير كاويا) وأعراس ديريك أي أعراس المدينة كانت غير أعراسنا , حضرت ذات يوم عرسا جانب التجنيد القديم حياها الفنان والمناضل سعيد كاباري ,كان جالسا على كرسيه وأمامه طاوله صغيرة وفي يده طمبوره وجهاز إذاعة بميكرفونين من النوع القديم مثبتين على عمودين متقابلتين على طرفي الساحة أتذكره حين كنا واقفين أمامه ونتفرج إلى الدبكة الكردية ونستمع إلى أغانيه القومية حين طلب منا نحن (الأولاد) أن نبتعد من أمامه حينها شكيت بأمره بأنه يرانا فقال لي زميلي لا انه لا يرى بل قلبه هو الذي يدله ويوجهه وللتنويه حضرت حفلة ثانية له عام 1986- 1987 بعد خروجه من السجن لا أتذكر بالضبط لكني أتذكره كم كان متغيرا بملامحه في مدينة الحسكة حي العزيزية وكان يغني أغانيه المشهورة(أي بلبله دل شادي ,هات خوش بهار جوم ناف كلا) ,يومها كنت مع الزميل محمد أمين من (ميركا ميرا) الذين دعاني إلى الحفلة . وفي الحي القديم من ديريك حضرت عرسا أخر كان للفنان عبدو علانة بصوته وصوت (الجمبش) الصوت الذي لا ينساه أهل المدينة وقراها وفي فاصل استراحة نبهني زميلي وسألني هل تعرف الشخص الذي يدق على الجمبش فقلت له لا فأكد لي بأنه علي علانة والذي ظل فترة طويلة يحيي الحفلات بمنطقة ديريك ,والذي لفت انتباهنا في تلك اللحظة شاب أخر بعمره كان يدق على(الدربكة) كان ذا شعر أجعد طويل مغرم بنفسه وكان يعلم بأنه سيكون يوما من الأيام فنانا عظيما وبمدرسة خاصة له وهو الفنان جمال سعدون صاحب أغانيه المشهورة (ديرك .كانيا غيدا .كانيا عسكريه) .أمضينا دراستنا في مدينة ديريك نتنقل بين المدارس كلما ذهبنا إلى مدرسة نقلونا إلى مدرسة احدث وباسم أخر من إعدادية يوسف العظمة على طريق كاني كركه وعلى ذكر هذه المدرسة ,ذات يوم كنت مع الأخ والصديق المهندس حسين خليفة في الصف السابع نتوجه إلى المدرسة و كالعادة كنا نخاف من الطريق بسب وجود أولاد الحارات المجاورة للمدرسة ( احياء اخوتنا المسيحيين) ونحن نمشي بطريقنا واجهنا صبي اصغر منا سنا وبدأ يضربنا شمالا ويمينا و لم نقاوم بسبب خوفنا من أهل الحي وفجأة ظهر شاب وسيم معتز بنفسه أنيق المظهر من إحدى الدخلات وتوجه إلينا وقال بلهجة باجارية بحته(خولي لخه كرا ما هين نكارن في كوركي كرو) باللغة الكردية يمكن لم ينتهي من إتمام الباقي انهال الرفس واللكمات مني ومن حسين على ذلك الولد ففر فرارا ولم يلتفت حوله لم أكن اعرف من هو هذا الشاب لولا صديقي حسين فقال لي انه الأستاذ عادل فقه حينها درج اسمه بذاكرتي كأستاذ ثم كفنان الذي غنى أغنية (نارينكة هي نارين) المشهورة بصوته الباجاري.نعود للمدارس انتقلنا بعدها إلى إعدادية يوسف العظمة جانب المركز الثقافي ثم إلى ثانوية يوسف العظمة جانب السراي وبعدها إلى الثانوية الصناعية واني افتخر بهذه الثانوية كونها تخرج منها الكثيرين من طلابنا وكملوا حياتهم وتعليمهم بل والأفخر من تلك هو تخريج فنان عملاق ذا الصوت الباجاري والنكهة الباجاريه بأغانيه الجميلة الفلكلورية وهو الفنان أذاد فقه الذي ينحدر من عائلة معروفه بحبها للفن وحب الحياة,بالرغم من هوايته بالفن تابع تعليمه في المعهد الصناعي بالحسكة وهناك قدم الكثير الكثير بين زملائه .وكأن معهد الصناعة تحول له إلى معهد الفنون وانطلق انطلاقته الحالية . يبقى لنا أن لاننسى فناننا الكبير محمد طيب طاهر ابن القرية بخلاف هولاء الذين ذكرناهم صاحب ( ديرسم ديرسم,,ولو نمشه عزيزة خو نه هجينة,,ياده ربنه جومه موسلا رنكين,,,بسنا خليلا ) للأسف لم أراه بعيني ولكني كنت معجبا بأغانيه الفلكلورية في حينها . ولا ننسى الفنان احمد أبو هوزان الذي ظل يحيي الحفلات فترة طويلة بمنطقة ديريك بدمبشه .ويبقى ديركا حمكو مدينة ومنطقة أرضا وسكانا غنية بفلكلورها الشعبي وبنهفاتها السكاني وجمالها الطبيعي وإذا زرت محافظة الحسكة ولم تزر ديركا حمكو و بالأخص عين ديوار وسويديكة فاعتبر زيارتك غير مقبولة طبيعيا وان لم تزر (قبا علي شير,برة بيتى, كوركه روال,.بابى كال......)
ذكريات طالب في ديركا حمكو (اواخر السبعينيات)
محي الدين فقة